نقد كتاب
روح التربية
المؤلف: غوستاف لوبون
ترجمة: طه حسين
طبع في: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة
تاريخ الطبعة: 2014م
تألف الكتاب من خمسة
كتب (أبواب) وتكون كل كتاب من فصول بلغت (25) فصل، وبدأ بمقدمة للمترجم ثم مقدمة
الطبعة الجديدة للمؤلف.
وكانت محتويات الكتاب
على النحو الآتي:
الكتاب الأول: البحث
لإصلاح التعليم:
وتناول فيه فصلان:
1.
تصور أساتذة الجامعة للتعليم.
2.
مصادر بسيكولوجية أظهرها التحقيق في أمر التعليم.
الكتاب الثاني: التعليم
والتربية في الولايات المتحدة:
وتناول فيه ثلاثة
فصول:
1.
المبادئ العامة للتربية في أمريكا.
2.
تفصيل المناهج المستعملة في المدارس الأمريكية.
3.
درس العلوم التجريبية في مدارس أمريكا.
الكتاب الثالث: تعليم
الجامعة في فرنسا:
وتناول فيه خمسة
فصول:
1.
قيمة مناهج الجامعة.
2.
النتائج الأخيرة لتربية الجامعة.
3.
المدارس الثانوية.
4.
الأساتذة والمعيدون.
5.
التعليم في مدارس رجال الدين.
الكتاب الرابع: الإصلاح
المقترح والمصلحون:
وتناول فيه سته فصول:
1.
المصلحون –إصلاح الأساتذة – إنقاص ساعات العمل – التربية
الإنجليزية.
2.
تغيير البرامج.
3.
مسألة اليونانية واللاتينية.
4.
مسألة الشهادة الثانوية وشهادة الدراسة.
5.
مسألة التعليم الحديث والتعليم العملي.
6.
مسألة التربية.
الكتاب الخامس: روح
التعليم والتربية:
وتناول فيه تسعة
فصول:
1.
الدعائم النفسية للتعليم.
2.
الأسس النفسية للتربية.
3.
تعليم الأخلاق.
4.
تعليم التاريخ والآداب.
5.
تعليم اللغات.
6.
تعليم الرياضة.
7.
تعليم العلوم الطبيعية وعلوم المواليد الثلاثة.
8.
تربية أبناء المستعمرات.
9.
التربية بواسطة الجيش.
وفيما يأتي عرض ونقد لما
ورد في الكتاب:
v مع أن الكتاب نشر في
2014م إلا أن تاريخ تأليف الكتاب نفسه غير واضح في بيانات النشر.
v إن الكتاب وضع لنقد
التعليم الفرنسي إلا أنه يدرس التعليم من حيث هو تعليم؛ لذا يتناول العيوب في
التعليم والقواعد الأساسية التي يتخذها المصلحون المحدثون لتغيير النظم التعليمية.
v كما أن الكتاب يدور في
مجملة حول التحقيق البرلماني الفرنسي والمكون من سته مجلدات كان حول واقع واصلاح
التعليم في فرنسا، مع أنه لم يشر إلى تاريخ ذلك التحقيق أو ما الذي تضمنه من
موضوعات وقضايا، ومن الذي أجرى التحقيق وكيف أجري، مع أن هذه معلومات مهمة للقارئ
حتى يتسنى له فهم الكتاب والحكم على آراء الكاتب.
v طبع الكتاب (15) مرة
وترجم إلى عدت لغات بحسب ما اشارت إليه المقدمة إلا أنه لم يشر إلى رقم الطبعة هذه
ولم تذكر في بيانات النشر.
v يشير الكتاب في مقدمة
هذه الطبعة إلى أن التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية قد وصل إلى أقصى درجات
الكمال وأن هناك فجوة كبيرة بين تعليم فرنسا وأمريكا، وأظن أن هناك مبالغة في ذلك
فهناك دول أخرى كاليابان وفليندا وغيرها أصبح التعليم فيها أفضل بكثير من التعليم
في أمريكا.
v إلا أن الملفت فيما
قدمه الكتاب أن وصفه للتعليم في فرنسا يشبه تماماً التعليم في دول الوطن العربي من
حيث الأخذ بمبدأ الاستظهار للدروس والحفظ استعداداً للامتحانات، الأمر الذي يمكن
الاستفادة مما ورد في هذا الكتاب للمقارنة بين الأخطاء في التعليم المشتركة بين
دولنا العربية وفرنسا، والأخذ بالآراء الإصلاحية التي ذكرها الكتاب.
v كما أن الكتاب يركز في
مجملة على التعليم الجامعي ويقدم نقداً لاذعاً له معتمداً ومستشهداً بالعديد من
الأقوال والأدلة والاثباتات من مصادر مختفة، كما استرشد بقوة التعليم العسكري الذي
انتهج أسس مغايرة لما تقدمه الجامعات المدنية.
v وعلى الرغم أن المؤلف
أشار كثيراً لعبارات تتحدث عن الماضي والحاضر منطلقاً بتحديدها من تاريخ تأليف
الكتاب إلا أن تاريخ تأليف الكتاب غير معروف هنا، الأمر الذي يجعل القارئ في حيرة
من فهم ما يذكره المؤلف من مقارنات بين تلك الفترات الزمنية.
v كقولة مثلاً:
"محاولة تغيير مذاهبنا في التعليم منذ ثلاثين سنه" فأي ثلاثين سنة يقصد
إذا لم يكن معروف تاريخ كتاب هذه المعلومة.
v وهذا خطأ قد يكون من
المؤلف نفسه أو الناشر بعدم ذكر تاريخ تأليف الكتاب.
v ولقد أرجع المؤلف أهم
أسباب فشل التعليم إلى الجهل العميق بأسباب فساد التعليم، ولقد كان محقاً في ذلك،
لأن ما جعل التعليم متخلفاً وضعيفاً، أو فشل برامج إصلاح التعليم إلا أن القائمين
على الإصلاح يجهلون الأسباب الحقيقية لفساد التعليم.
v بل ويذهب المؤلف إلى
أن ما قدم من برامج إصلاحية ما هي إلا "مصدر الشر كله".
v ويلاحظ من أسلوب
المؤلف الإعجاب الشديد برأيه، بل ويجعله من المسلمات، ويكثر من وصف نفسه ويرجع كل
ما يذكر لنفسه والمبالغة بوصف نجاحاته وآراءه ونجاح كتابه.
v ومع ذلك كله يذكر بأن
الكتاب لم يقنع أو يرشد رجلاً واحداً من رجال الجامعة ومتهماً اساتذة الجامعة
بالعجز في تحديد أسباب انحطاط التعليم.
الكتاب الأول
البحث لإصلاح التعليم
في الكتاب الأول تناول
البحث لإصلاح التعليم وناقش في الفصل الأول منه تصور أساتذة الجامعة للتعليم،
محللاً وناقداً لتلك التصورات مردفاً لها بتصوراته هو والتي يعتقد بأنها الأصح من
تصورات أساتذة الجامعة.
ويمكن أن أورد هنا
التصورات التي ذكرها عن اساتذة الجامعة والتي يعتبرها تصورات ضعيفة وغير منطقية
وغير صحيحة، ومن تلك التصورات:
1.
أن المصدر القديم للتربية هي الصين.
2.
البيروقراطية وتحكم السطلة التنفيذية بمنح الدرجات.
3.
تغيير البرامج التعليمية وإعادة ترتيب مواد البرامج
باعتبار قيمتها العلمية.
4.
تنفيذ اساتذة الجامعة أوامر رؤسائهم مكرهين رغم معرفتهم
بضعف المناهج.
ومن خلال ما أورده
الكتاب حول تلك التصورات تجدها هزيلة وضعيفة لا تنم عن رأي جميع اساتذة الجامعة
وخاصة الباحثين منهم والمتمكنين والمنشغلين في إصلاح التعليم، ومع ذلك لو قارناها
ببلداننا العربية لنجد أنها تنطبق عليها تماماً خاصة في فكرة تعقيد وتغيير البرامج
دون المناهج.
وهنا يورد الكاتب عدد
من أرائه حول الأخطاء التي أدت إلى ضعف التعليم:
1.
الجهل العميق بأسباب فساد التعليم.
2.
أن مصدر الشر هي المناهج التعليم وليست برامجها.
3.
أن مناهج التعليم في الجامعة لا تنمي العقل.
4.
الاعتماد على اصلاح التعليم من خلال تغيير البرامج
وتعقيدها.
5.
ركود اساتذة الجامعة وعدم قدرتهم على تطوير أنفسهم
ومواكبة تطوير المناهج.
6.
عدم الاهتمام بالتعليم الخلقي بالجامعة.
7.
الجامعة لا تسمح للأساتذة بأي استقلال وابتكار.
رغم اصرار الكاتب على
أن المناهج هي سر انحطاط التعليم ويطالب بتغييرها لإصلاح التعليم؛ إلا أنه لم يذكر
الأسس التي ينبغي تغيير المناهج عليها.
كما طالب لإصلاح
التعليم بأن يكون التعليم حراً، ويعني هنا بالحرية هي خصخصة التعليم بحيث يدفع
الطلاب أجور الأساتذة، إلا أنه لم يذكر الآلية أو المبدأ الذي ينطلق منه هذا الحل
لإصلاح التعليم ومدى إمكانية تنفيذه.
ووصل في نهاية الفصل
إلى قناعة أنه من المستحيل إصلاح التعليم في فرنسا في ظل هذه المعطيات ليضع بعدها
سؤالاً يفتتح به الفصل الثاني وهو:
لماذا كان الإصلاح مستحيلاً؟
لقد بدأ الكاتب الفصل
الثاني الذي تناول مصادر بسيكولوجية أظهرها التحقيق في أمر التعليم بنقد لاذع
وشديد للتحقيق البرلماني الذي نشر منذ أعوام لإصلاح التعليم (ولا ندري متى نشر وما
هي الأعوام).
ومن خلال الشواهد والأدلة
التي أوردها الكاتب من مصادرها الخاصة بالتحقيق في أمر التعليم يوضح من خلالها
لماذا كان الإصلاح مستحيلاً.
ويمكن هنا إبراز أهم
النقاط التي أشار إليها الكاتب:
·
أن الاقتراحات بإصلاح التعليم التي قدمها المفكرين أو
الطبقة الحاكمة كانت تعكس نفسياتهم ولم تعالج الإصلاح نفسه.
·
التناقضات في اتخاذ القرارات وتبني مشروعات متناقضة
لإصلاح التعليم.
·
أجمع المحققون على ضرورة تغيير البرامج، إلا أنهم لم
يفكروا بتغيير المناهج التي تدرس بها هذه البرامج وما تشتمل عليه.
·
جهل العلماء بالمبادئ الأساسية النفسية التي يجب أن يقوم
عليها التعليم والتربية.
·
تبني رأي أساسي لا يمكن مناقشته وهذا الرأي الأساسي يقوم
عليه التعليم في الجامعات الفرنسية وهو: أن الذاكرة وحدها هي الطريق التي تسلكها
المعلومات إلى عقولنا لتستقر فيها، وإذن فيجب أن يعتمد على ذاكرة الطفل وحدها
لتربيته وتعليمه، ومن هنا كانت أهمية البرامج المتقنة التي تنتج الكتب المدرسية
المتقنة، فأساس التعليم يجب أن يكون استظهار الكتب والدروس.
·
رغم تغيير البرامج لأكثر من ست مرات، إلا أن الأمر ما
زال كما هو ومع ذلك فإن فشل هذه المحاولة لم يرشد أحداً إلا انها غير نافعة.
·
إن التعليم والمناهج التعليمية تلائم أهواء الرأي العام
والتي عملت هي في تكوينه وأن المجتمع والبيئة والعادات والثقافة هي أكثر الأمور
تقف حجر عثرة أمام إصلاح التعليم وتجعل منه مستحيلاً.
·
كما أن نفسية الأساتذة التي كونتها الجامعة ليست ممكنة
التغيير، ذلك أنهم تكونوا بمقتضى تلك الأصول القديمة فلا يستطيعون أن ينفذوا غيرها
بل لا يستطيعون أن يفهموا غيرها، قد وصلوا جميعاً إلى سن لا يمكن أن تُستأنف فيها
التربية.
لقد أسهب المؤلف مرة
أخرى في الحديث عن البرامج وتغييرها وتعقيداتها والتي يتبناها اساتذة الجامعة
والباحثون في إصلاح التعليم مستميتاً في تفنيد هذا الرأي ومؤكداً على أن الخلل في
المناهج وليست في البرامج ويسهل كثيراً في إيراد الأدلة والشواهد والنقاش حول هذا
الأمر مستخدماً اسلوباً عدائياً لمن يخالفه رأيه، ومع ذلك لم يشر حتى الأن أين
جوانب الضعف في تلك المناهج؟ وكيف يمكن إصلاحها؟ وكيف سيكون تأثيرها على المخرجات
في حالة تغييرها؟.
ويلاحظ أن الكاتب
يتحامل وبشدة على اساتذة الجامعة ونظام التعليم فيها، وأظن أن ما أورده من اخفاقات
وانحطاط كان في فترة زمنية قديمة وأن هناك اصلاحات كبيرة جداً في فرنسا تجعل من
التعليم هناك يتطور بوتيرة جيدة.
وكثيراً ما يقارن
الكاتب بين التعليم في فرنسا بالتعليم في ألمانيا ويشير ويستشهد كثيراً بالتعليم
في ألمانيا عند مناقشة أي جزئية من جوانب انحطاط التعليم في فرنسا او فشل الإصلاح
فيها.
فيذكر مثلاً: أن من الأسباب التي جعلت التعليم في ألمانيا يرتقي أفضل
من فرنسا؛ لأن الأساتذة يختارون بطريقة مخالفة والتي تعتمد على إيجاد اساتذة
يعتنون بالطلبة وأن الطلة هم من يدفعون أجور الأساتذة، ولأن الطالب هو من يختار ما
يريد من الأساتذة.
لكن من المعروف أن هذا
النظام موجود في فرنسا وأن الطالب يختار من الأساتذة من يريد، إلا أنه لا يدفع لهم
وتتكفل الدولة بتكاليف الأساتذة، وهذا يوحي بتحامل شديد من قبل الكاتب الذي لا
يكاد يعجبه أي شيء في فرنسا ومعجب بدول أخرى.
وخرج الكاتب في نهاية
الفصل الثاني إلى أن إصلاح التعليم لن يحدث إلى بتغيير الآراء حول الأسباب
والحلول، وأنه لا بد من هدم نظام التعليم رأساً على عقب، وأن نظام التعليم في
ألمانيا هو الأنسب لتحذو فرنسا حذوه.
الكتاب الثاني
التعليم والتربية في الولايات المتحدة
وفي الكتاب الثاني
تناول الكاتب التعليم في الولايات المتحدة، وفي فصله الأول تناول المبادئ العامة
للتربية في أمريكا، من منطلق إجراء المقارنة والاستفادة من تجارب الأخرين.
بل سعى الكاتب من خلال
أسلوبه في كتابة هذا الفصل إلى إبراز درجة انحطاط التعليم في فرنسا من خلال
مقارنتها بالتعليم في أمريكا.
ولقد امتدح الحضارة
الأمريكية ونظامها السياسي والتعليمي والاقتصادي مستحقراً إليها ما وصلت إليه فرنسا
من الانحطاط.
حيث وصف التعليم في
أمريكا بأنه يعتمد على الحرية وحل المشكلات وتقوية التربية العملية وإعداد الطلبة
للحياة والاعتماد على التمارين والتطبيقات العملية، وتعويد الطالب في البحث العلمي
على الاعتماد على نفسه في اكتشاف الحقائق والاعتماد على الاستكشاف والأعمال
اليدوية والمهارية المختلفة.
كما أنها تتبنى تفريد
التعليم والفروق الفردية في تعليمها، والاعتماد على الإنتاج العلمي أو العملي وليس
على الشهادة.
وفي الفصل الثاني يسهب
الكاتب في توضيح نظام التعليم في أمريكا ومناهجها ومراحلها الدراسية، حيث أبرز الكاتب
أن التعليم في أمريكا يهتم بالرسم والأعمال اليدوية وفن البساتين، كما تكثر في
مناهجهم البحث والمناقشة.
ومع أن الكاتب في
الكتاب الأول بفصليه أنتقد التعليم الجامعي في فرنسا واساتذتها ومناهجها وبرامجها
ولم يشر أبداً لنظام التعليم العام، إلا أنه هنا وفي الباب الثاني بفصوله الثلاثة
يتناول بالتفصيل التعليم العام في أمريكا بكل تفاصيله ومدارسها دون الحديث عن
التعليم الجامعي واساتذة الجامعة ولا برامجها ولا مناهجها التي كانت مصدر نقده في
الكتاب أو الباب الأول، بل عاد وتحدث مرة أخرى في باب كامل عن التعليم الجامعي في
فرنسا رغم اشاراته المتكررة للمقارنة بين تعليم أمريكا وتفوقه على التعليم
الفرنسي، وكان الأولى هنا الحديث والمقارنة بين التعليم الجامعي الأمريكي والفرنسي.
كما أن في الباب الأول
جعل من ألمانيا المرشد الأول للتعليم، وطالب فرنسا باتباعها للرقي بتعليمها، ثم ينتقل
في الباب الثاني لأمريكا لتكون هي الراعية الأولى للتعليم في العالم والتي ينبغي
على فرنسا الاقتداء بها.
ففي الفصل الثالث من
هذا الباب يتناول أيضاً دروس العلوم التجريبية في مدارس أمريكا وكيف تتم من خلال
التجريب والتطبيقات في معامل المدرسة ويقارن في كل ما ذكره بما يحدث في فرنسا وأن
هناك بون شاسع وكبير بين تعليم العلوم في أمريكا وفرنسا.
ولا يفتأ أن يعود
ويكرر ما ذكره سابقاً من برامج واساليب تعليم وينتقد تعليم فرنسا بنفس النقد ونفس
النقاط ويعيد الأفكار نفسها وإنما بأدلة وشواهد أخرى.
ثم يورد خلاصة يقارن
فيها بين التعليم الأوروبي ككل والتعليم الأمريكي الذي تفوق على الأوروبيين بكثير،
ناسياً أو متناسياً ما ذكره من قوة وأفضلية التعليم في ألمانيا وانجلترا أثناء
حديثه عنهما في الكتاب.
وكان الأولى أن يذكر
عدد من الدول الأوروبية ويقارن فيما بينها كألمانيا وبريطانيا وفليندا وغيرها ممن
ارتقت بتعليمها وأصبح نظامها التعليمي يُصدر للعالم، وكان سيكون أفضل في المقارنة
بينها وبين فرنسا لكونها جميعها من نفس البيئة والثقافة بخلاف أمريكا التي قد
تختلف نسبياً مع فرنسا حضارياً وثقافياً.
الكتاب الثالث
تعليم الجامعة في فرنسا
وفي الكتاب الثالث
تناول الكاتب التعليم الجامعي في فرنسا في أربعة فصول، ويلاحظ من أول عباراته
الشدة في النقد والاصرار على ابراز انحطاط التعليم في فرنسا دون أن نجد أي نوع من
الحياد أو الانصاف أو ذكر بعض الايجابيات.
ففي الفصل الأول تناول
قيمة المناهج الجامعية في فرنسا وناقشها من حيث:
1.
منهج الذاكرة مشيراً إلى أن مناهجنا تعتمد على الحفظ
والاستذكار لأجل الاختبارات فقط.
2.
نتيجة تعليم اللاتينية واللغات الحية والتي تتصف بالعجز
وسوء أساليب تعليمها.
3. نتيجة درس الآدب
والتاريخ والتي تتصف بالجمود والحفظ والأساليب التقليدية التي تؤدي إلى مخرجات
سيئة للغاية.
4.
نتيجة درس العلوم التي تعتمد أيضاً على النظرية والحفظ
دون تطبيق ويتخللها السؤم والملل والنسيان.
5. نتيجة التعليم العالي
وروح الجامعة التي تستخدم الذاكرة في جميع ضروب التعليم وهذا هو مصدر انحطاط
التعليم الفرنسي وتفوق الأجنبي عليه، ولا يظهر هذا الضعف في مناصب الحكومة التي
يشغلها خريجو الجامعة، وإنما يظهر بشكلٍ مؤلم يوم يضطر هؤلاء الناس إلى أن يلتمسوا
لأنفسهم وسيلة من وسائل العيش.
6. رأي الجامعة في قيمة
تعليمها والمتمثل في جهلها العميق بأسباب ضعف التعليم الجامعي والمتمثل في ضعف
مناهجها التعليمية.
وما ذكره الكاتب عن
واقع مناهج التعليم الجامعي قد أنعكس أثاره على المخرجات وهو ما ناقشه وأوضحه
الكاتب في الفصل الثاني الذي يتناول النتائج الأخيرة لتربية الجامعة ومدى أثرها
على الذكاء والخلق.
وقد حصرت تلك النتائج
والآثار في الآتي:
1.
ايجاد خريجين متشوقين للمناصب العامة، وأدباء من الطبقة
العشرون، وأقوام لا طبقة لهم.
2.
ضعف الفرنسيين خارج فرنسا وشعورهم بالغيرة وعجزهم عن
الإجابة عن أي مسألة.
3.
عدم الاكتراث بالحياة الخارجية لأنها ليست في أوراق
الاختبارات.
4.
النسيان لكل شيء بعد الامتحانات.
5.
صعوبة الحصول على مصادر عمل ويفشلون في المسابقات
المقدمة لهم.
وفي الفصل الثالث
يتناول الكاتب المدارس الثانوية من حيث:
1.
الحياة في المدرسة الثانوية: العمل والنظام.
2.
إدارة المدارس الثانوية: المدير.
3.
النفقات التي تنفقها الدولة على المدارس الثانوية.
ليخرج بعد استعراضها
بسوء شديد جداً وانحطاط كبير للمدارس الثانوية في فرنسا والذي يعد المرحلة
الأساسية للتعليم الجامعي.
وما أن ينتهي حتى يعود
مجدداً في الفصل الرابع للحديث عن الأساتذة والمعيدون في التعليم الجامعي.
ويمكن اقتباس بعض
العبارات التي توضح رأي الكاتب في الأساتذة والمعيدين بالجامعات الفرنسية:
"الأستاذ رجل
يعلِّم فيجب إذن أن يحسن فن التعليم، ولكن أساتذتنا لم يدرسوا هذا الفن بل هم
يجهلونه الجهل كله، حفظوا أشياء كثيرة ولكن أكثرهم لا يستطيعون أن يعلموا شيئاً
مما حفظ، وهذا ما تدل عليه شهادة نفر أعظم رجال الجامعة قدراً وأبعدهم
صيتاً".
"كثير جداً من
الأساتذة لا يعرفون فن التعليم، يعلمون كل شيء إلا صناعتهم أو الجزء العملي من هذه
الصناعة، فليس الخير في أن تحشو رءوس الطلبة بمسائل العلم دون أن تبين لهم علل
الأشياء، يجب أن تعلمهم التفكير، لا ينبغي أن تمرن الذاكرة وحدها بل ينبغي أن تمرن
معها العقل، والنقص الأساسي الذي يمتاز به تلاميذنا اليوم إنما هو من هذه
الناحية".
"لا يكاد المعيد
يُعنى بغير مراقبة التلاميذ، وإذا كان شديد الاتصال بالتلاميذ فقد يستطيع أن يؤدي
إلى التعليم خدمة قيمة؛ لأن حظه من التعليم عظيم غالباً، ولكنه من الوجهة العملية
مقصور على مراقبة الطلبة، يزدريه الأساتذة ويكرهه التلاميذ ويشك فيه المدير،
فحياته شاقة لا تحتمل".
وأفرد الفصل الخامس
للحديث عن التعليم في مدارس رجال الدين رغم قصر هذا الفصل إلا أنه أشار إلى ما
ذكره التحقيق البرلماني (الذي لم يشر اصلاً إلى تاريخ إجراء هذا التحقيق) بخصوص
هذه المدارس حيث أشار إلى أنها تحظى بأهمية كبيرة قد تنافس التعليم الثانوي
والعالي، مشيراً لنجاح هذا النوع من التعليم رغم محاربة الحكومة له.
وختم حديثه بقوله
"لست مهتماً بالميل إلى الكنيسة فيما أظن، ولكني لو كنت وزيراً للمعارف لوضعت
على رأس التعليم الأولي والثانوي مدير مدارس الفرير، على أن يجتنب التدخل الديني
في التعليم؛ لتكون أسر التلاميذ حرة من هذه الناحية".
الكتاب الرابع
الإصلاح المقترح والمصلحون
في الفصل الأول من هذا
الباب تناول المصلحون وإصلاح الاساتذة وإنقاص ساعات العمل والتربية الإنجليزية.
وأورد هنا بعض
المقترحات التي اقترحها التحقيق لإصلاح التعليم والذي يعتبرها مقترحات هزيلة غير واقعية،
ويمكن أن نورد بعضها هنا:
1.
تغيير برامج الجامعة.
2.
ترك الحرية المطلقة للأستاذ.
ويعتبر الكاتب أن هذه
المقترحات ثرثرة غير قابلة للتحقيق وإذا ما أرادو اصلاح التعليم فعليهم إصلاح
نفسيات الأساتذة والتلاميذ والأسرة.
ثم ناقش كل مقترح من
المقترحات التي قدمتها لجنة التحقيقات بشيء من التفصيل مشيراً إلى أن تحققها
مستحيل وإنما ذكرها لمعرفة الخلل الكبير في تلك المقترحات.
ويقترح الكاتب في
إصلاح الأساتذة هو إلغاء شهادة الأستاذية واختيار الأساتذة بطريقة غير الطريقة
المألوفة.
ويبرر ذلك بأن السباق
على الشهادة يفسد الأساتذة مؤكداً على الأخذ بالطريقة الألمانية في ذلك.
كما يقترح إنقاص ساعات
العمل (الدراسة) لكونها طويلة ولا تستغل استغلالاً جيداً.
ويطالب ايضاً بإدخال
التربية الإنجليزية في المدارس، إلا أنه يعتقد بأنها لن تنجح لأنها تخالف طبائع
وإرادات الأسرة الفرنسية.
ثم أعاد الحديث مرة
أخرى حول البرامج وتغييرها في الفصل الثاني بنفس الفكرة التي ناقشها سابقاً لذا
أعرض المترجم عن ترجمة الفصل لأنه تكرار غير مفيد.
ثم ناقش في الفصل
الثالث مسألة اليونانية واللاتينية من حيث نفعهما ورأي الأسرة فيهما مشيراً أنها
مسألة ترهق التعليم والتلميذ وليست ذات أهمية، وينتقد أراء المدافعين عنها وتحجر
الأسرة في ضرورة تعلمها كميزة اجتماعية مطالباً بتغييرها بالغات الحية كاللغة
الإنجليزية.
ويناقش الكاتب في
الفصل الرابع مسألة الشهادة الثانوية التي تم إلغائها كأحد حلول إصلاح التعليم
واستبدلت بشهادة أخرى سميت بشهادة الدراسة ويرى أنه مجرد تغيير للمسمى وأن النتائج
ما زالت سيئة لم تتغير.
ويناقش في الفصل
الخامس مسألة التعليم الحديث والتعليم العملي، وناقش فشل التعليم الحديث الذي لم
يتغير عن التعليم القديم إلا في اسمه، إلا أنه لم يشر إلى ماهية هذا التعليم وما
الحديث فيه، مع أنه قال بنجاحه في ألمانيا.
ثم تناول التعليم
العملي ليسهب في مناقشة ضرورة الأخذ به مستنقصاً في ذلك باللغة والتاريخ وغيرها
مما اسماها بالثرثرات، وأظن أن هذا تحامل كبير وتطرف في الرأي؛ حيث أن جميع العلوم
تحتاجها الدولة ابتداءً من اللغة والتاريخ وانتهاءً بالمهارات اليدوية والحرفية،
ويجب أن تسير جميعها بخط متوازي ليكمل بعضها البعض.
أما في الفصل السادس
فقد بدأ الكاتب هذا الفصل بالعبارة التالية:
"مسألة التربية
أجل خطراً من مسألة التعليم، الخلق أشد تأثيراً في الحياة من العلم، فشلت الجامعة
في التربية كما فشلت في التعليم".
وهذا ما يؤكد فعلاً
أهمية التربية وضرورتها في حياة الإنسان إلا أن الجامعة لا تتبنى التربية وتهتم
بالتعليم فقط.
منتقداً مناهج الجامعة
التي لم تتضمن التربية وأن مسألة التربية قد أهملت سواء في الثانوية أو الجامعة
ويعود ليستشهد بما ورد في التحقيق البرلماني.
متهماً المشتركون في
التحقيق البرلماني بالجهل التام للوسائل التي تؤدي إلى التربية الحسنة، مشيراً إلى
أهمية التربية البدنية وضرورتها.
الكتاب الخامس
روح التعليم والتربية
1.
أساس التعليم النفسي عند رجال الجامعة.
2.
النظرية النفسية للتربية والتعليم: تحويل الشعوري إلى لا
شعوري.
3.
أثر قانون تنادي الخواطر في تكوين بعض الغرائز وخصال
الشعوب.
4.
التربية في العصر الحاضر.
ولقد وضع هذا الباب
بفصوله التسعة ليعرض الأصول التي ينبغي أن تقوم عليها التربية والتعليم والتي
ينبغي تطبيق هذه الأصول في جميع فروع التعليم.
ولقد بنى هذه الأصول
على النقد الذي وجهه في الأبواب السابقة من هذا الكتاب والذي أكد من خلالها بأن
أصول التربة والتعليم المصطنعة في الجامعة لا قيمة لها، بل لا يوجد أصول في
التربية والتعليم للجامعة، زاعماً الكاتب بأن هذا الكتاب ليس له الآن فائدة عملية،
ولكنه قد يفيد يوم تدعو الحياة الاقتصادية الجديدة إلى تغيير نفسية الأساتذة والأسر
والتلاميذ فيشعرون جميعاً بوجوب العدول عن هذه المناهج القديمة.
ويتسأل الكاتب:
"إذا لم تكن الذاكرة أساس التربية والتعليم، فعلى أي ملكة من ملكات النفس
تعتمد التربية ويعتمد التعليم؟"
ليجب عن نفسه بقوله:
"يمكن اختصار القواعد الأساسية النفسية للتربية والتعليم في صيغة واحدة
رددتُها كثيراً في كتبي وهي أن التربية هي الفن الذي يعين على تحويل الشعوري إلى
لاشعوري".
ويستطرد بقوله:
"بل نستطيع أن نقول إن تكوين الأخلاق بنوعٍ خاص قائم على هذه القاعدة، فليس
للأخلاق أثر في الحياة إلا إذا استحالت من الشعوري إلى اللاشعوري، هناك ترشدنا
الأخلاق في الحياة وليس للعقل أثر في ذلك، وليس للكتب أثر فيه بنوعٍ خاص، ولقد
أظهر علم النفس الحديث أن أثر اللاشعوري في حياتنا اليومية أشد وأبعد من تأثير
الشعوري".
ثم استمر الكاتب في
عرض هذه الفكرة بطريقة فلسفية مرتبطة بعلم النفس، مستخدماً بعض المصطلحات والأفكار
الغريبة، ومع ذلك لم يبين كيف يمكن أن تنفذ الجامعة هذه الفكرة وكيف يمكن تضمينها
في مناهجها.
مؤكداً على أنه يجب
التركيز على النفس في تربية الأطفال وليس على العقل، وذلك من خلال تكرار الشيء في
كل الفنون والموضوعات حتى يتقنها الطفل.
وهنا يمكن القول أن
فصل النفس عن العق سيؤدي مرة أخرى إلى سوء في التربية؛ لأن الإنسان خلقه الله من
جسم وروح وميزه بالعقل على بقية المخلوقات وإذا ما أردنا تربية سليمة صحيحة لا
يشوبها خلل فعلينا بناء نفس الطفل وعقله وجسمه بحيث تكون تربية الأخلاق لديه عن
وعي ومعرفة وليست مجرد تقليد وتكرار دون وعي أد إدراك.
لذا لابد من توجيه
التربية إلى نفس وعقل الطفل، وهذا ما ذهب إليه بلوم وأخرون من التربويين وعلماء
النفس الذين يؤكدون ضرورة اشتمال المناهج التعليمية على المعرفة والمهارة والوجدان
وهذه المجالات أهملها الكتاب في تصدية لإصلاح أصول التربية والتعليم.
ويحاول الكاتب إقناع
القارئ بأن لقانون تنادي الخواطر القائم على تحويل الشعوري إلى لاشعوري بأن له
تأثير في تكوين بعض الغرائز وخصال الشعوب، مع أن هذا القانون يتناسب مع الإنسان
والحيوان لأنه يعتمد على الغرائز الإرادية الموروثة، ليسهب الكاتب في محاولة أثبات
هذا التأثير معتمداً على فرضيات علم النفس، مستشهداً بتجارب ذلك العلم على
الحيوانات، مؤكداً في النهاية أن الأخلاق السيئة والحميدة منا تتأثر بالبيئة
والظروف المحيطة، وإذا ما تغيرت تلك البيئة تبقى الأخلاق والصفات التي أصلاً
اكتسبت من تلك البيئة التي تغيرت.
لذا نجد تناقض فيما
يذكره الكاتب، وقد أظهر تناقضات كثيرة في محاولة اثبات تأثير هذا القانون على
تكوين أخلاقيات الشعوب.
وكان الأولى أن يعتمد
على النظريات التربوية الحديثة التي تتحدث عن الذكاءات المتعددة وتفريد التعليم
والفروق الفردية لتكون هي الأصل البديل الذي تحتاجه التربية والتعليم اليوم، وكذلك
الاعتماد على التوافق بين الجسم والعقل في بناء شخصية الطف كأحد أصول التربية
والتعليم.
ومع ذلك الاسهاب في
تناول قانون تنادي الخواطر إلا أنه يعود ليؤكد أن لا توجد قواعد للتربة تستمد من
ذاك القانون وأن هذا الموضوع لم يُدرس بعد حتى توضع له قواعد تربوية، وينادي بوجوب
الاكتفاء الأن بالتجارب الشخصية وأن تسترشد بها في التربية.
مؤكداً أنه لن يكون
هناك مربي مجيد إلا إذا درست هذه الأصول وألف فيها كتاب يسترشد به الأساتذة، ليقع
المؤلف مرة أخرى في التناقضات.
ويبني أصوله التربوية
على افتراضات لم تدرس بعد بل ويريد تجميد العمل بالأصول الموجودة حتى يتم دراستها.
مستمراً في تحسره على
عدم وجود أصولاً مدروسة وأنه لا يوجد كتاب في التربية ينفع ليكون مرشداً للمربين،
في الوقت نفسه ما زال يهاجم اساتذة الجامعة الذين يضعون حلولاً واصلاحات غير
صحيحة.
مؤكداً على أن النظرية
النفسية التي قدمها تنتهي إلى نتيجة واضحة وهي أن ليس في الاعتماد على الذاكرة
خير، وإذا لم يكن الاعتماد على الذاكرة في التعليم فلا بد من الاعتماد على
التجربة، ذلك شيء معروف يردده العلماء منذ زمن بعيد.
مؤكداً على أن التعليم
التجريبي وحده هو الذي يكون الإنسان ويمكنه من الفوز في الحياة من الوجهة العملية
ومن الوجهة النظرية أيضاً.
ويمكن القول أن المؤلف
قد أصاب في ذلك وهو تحويل التعليم إلى تجريبي وتطبيقي بدلاً عن النظري المعتمد على
الذاكرة، لكنه لم يكن موفقاً في وضع النظريات التربوية المناسبة لتفسير هذا النوع
من التعليم واكتفى بمهاجمة اساتذة الجامعة مرة أخرى.
وأتفق هنا مع المؤلف
فيما ذهب إليه إلى ضرورة الاعتماد على علم النفس التربوي في تقديم مناهج تعليمية
مناسبة لنفسيات الطلبة وتنمي لديهم قدراتهم المختلفة وخاصة النفسية والوجدانية.
وفي الفصل الثاني يناقش
الأسس النفسية للتربية متناولاً فيه غاية التربية والمناهج النفسية للتربية،
ويناقش تلك الأسس بالنقد تارة للتربية في فرنسا وباستشهاد تارة أخرى بالتربية
الانجليزية والأمريكية.
ومما أورده في ذلك:
"أن الغاية الصحيحة للتربية إنما هي تقوية بعض الأخلاق والصفات كالشخصية
والابتكار والإرادة والشعور بالتضامن ومضار العزم وما يشبه ذلك، ولا سبيل إلى
تقوية هذه الصفات إلا بتمرينها ولا سيما أقلها ظهوراً عند الفرد، وإذا كان الأمر
كذلك فعمل التربية إنما هو تقوية الفضائل ومحاربة الرذائل"، "فإن
الأخلاق والخلال لا تُكسب بالمنطق أو البحث النظري وإنما تكسب بالتمرين
والتدريب".
ويؤكد المؤلف إذا ما
أردنا إيجاد مناهج نفسية للتربية ينبغي أن تقوم على تنمية الملاحظة والدقة وتنمية
الميل إلى النظام والتضامن وقوة الحكم وما يشبهها، وتنمية الإرادة وإقضاء العزم.
ومع أن هذه القيم ذات
أهمية كبيرة جداً ينبغي تنميتها إلا أنه أهمل قيم أخرى كثيرة وخاصة تلك التي تعتمد
على مهارات التفكير العليا والبحث والاستكشاف وحل المشكلات.
ومع أن هذه الموضوعات
وأساليب تعليمها سهله إلا أن الكاتب يرى أن سبب اهمالها واغفالها في الجامعة يعود
إلى جهل الاساتذة بتلك الأشياء وعدم قدرتهم على تعليمها.
ويتطرق المؤلف بعد ذلك
في الفصل الثالث للحديث عن تعليم الأخلاق، مع أنه انتقد الأسلوب القائم على تعليم
الأخلاق وأنه يجب أن يكون تربية للأخلاق، إلا أنه هنا يعنون فصله هذا بتعليم
الأخلاق.
ونورد هنا بعض الأفكار
التي ذكرها المؤلف في تعليم الأخلاق:
"يجب أن تكون
التربية الخلقية ككل نوعٍ من أنواع التربية معتمدة على التجربة وحدها، لا على
المواعظ والحكم التي امتلأت بها الكتب والتي يستظهرها الأطفال في غير جدوى".
"يجب أن تعلمه
النتائج الحسنة أو السيئة ما للأعمال من نفعٍ أو ضر، ولا سيما إذا أخذ دائماً
باحتمال نتائج الأعمال التي يأتيها وإصلاح ما يجر على غيره من ضرر".
ولن تتم التربية
الخلقية إلا إذا أصبح عمل الخير واجتناب الشر عادة لاشعورية يأتيها الطفل دون أن
يشعر بشيء، فمن الخير أن تقاوم الميل إلى منكر، ولكن خيراً من ذلك ألا تشعر بهذا
الميل".
"البيئة الفرنسية
سيئة الأثر في التربية؛ لأن الأسرة الفرنسية شديدة الضعف في الإشراف على أبنائها
تحبهم وتعطف عليهم، ويمنعها ذلك الحب وهذا العطف من أن تسيطر عليهم كما ينبغي، فهي
لا تقاوم رذائلهم ولا تشجعهم على الخير، وهي تشعر بهذا الضعف وتحس هذا النقص
وتعترف بهما وتحاول أن تتقي شرهما، فتسرع بإرسال الأطفال إلى المدرسة معتمدة على
أن سلطان الأساتذة سيمضي ما عجز سلطان الأسرة عن إمضائه، ولكن المدرسة بيئة شديدة
السوء قبيحة الأثر، يخضع الأطفال للمراقبين، ولكنهم يكرهون المراقبين ويكرههم
المراقبون، فليس من سبيلٍ إلى التقليد وإنما السبيل إلى الغش والحيل وإلى المكر
والمرونة".
"أشد ما يعترض
تعليم الأخلاق من المصاعب في الشعوب الكاثوليكية هو أن الأخلاق عند هذه الشعوب لم
تعتمد أثناء قرون طويلة إلا على أساس واحد هو الدين، فالأخلاق عند هذه الشعوب كانت
تقوم على هذه القاعدة وهي أن هناك إلهاً قوياً قد أعد العقاب الشديد لمن خرج عن
أمره، وقد تزعزع الدين وضعف سلطانه ففقدت الأخلاق أساسها المتين، ولو أن الأخلاق
لم تعتمد عند هذه الشعوب على الدين لما أصابها ما يصيبها اليوم".
"إذا استطعنا
أنفرق بين الدين والأخلاق سهل علينا تعليم الأخلاق بطريقة منتجة، وأمر هذه التفرقة
يسير... فيكفي أن نفكر قليلاً لنعلم أن الدين والأخلاق شيئان متغايران بحيث تتغير
الديانات وتتبدل دون أن تتغير أصول الأخلاق أو تتبدل".
نلاحظ أن المؤلف يناقض
نفسه بعض الشيئ، فقد أثبت أن الأخلاق تختلف باختلاف الأزمنة والشعوب، وهو هنا يثبت
أن لها أصولاً لا تتغير، ولا ندري لمَ تتغير الديانات ولا تتغير الأخلاق، فإن
قانون التطور الاجتماعي إما أن يمتد إلى كل شيء فينال الديانات والأخلاق واللغات
والنظم السياسية والاجتماعية، وإما ألا يوجد ولا يكون قانوناً... والحق أن التطور
ينال كل شيء اجتماعي؛ لأنه ينال الجماعة نفسها، فليس بين الدين والأخلاق فرق في
ذلك، كما أنه ليس من الحق ما قد يفهم من عبارة المؤلف من أن الجماعة الإنسانية أشد
احتياجاً إلى الأخلاق منها إلى الدين، فالأخلاق والدين واللغة والسياسة، كل أولئك
من المقومات التي دل الاستقرار الاجتماعي على أن شعباً من الشعوب لم يستطيع أن
يوجد بدونها، ولسنا نعلم شعباً وجد بلا دين، كما أننا لا نعم شعباً وجد بلا أخلاق.
ويستمر المؤلف في
محاولة شرح نظريته في تعليم الأخلاق مشيراً إلى أن ينبغي البدء بدرس الأخلاق في
عالم الحيوان، مبيناً له كيف يستطيع الإنسان أن يروض الحيوان من الأخلاق والعادات
لم يألف ذلك، ثم يدرس الخلاق عند الأمم والحضارات.
وهنا يمكن القول أن
المؤلف لم يوفق في وضع هذا المنهج لأنه لا يمكن للإنسان من أن يفهم استنباط الأخلاق
الإنسانية من الأخلاق الحيوانية أو قياسها إليه، والطفل أضيق عقلاً من أن يستنبط
الأخلاق من تاريخ الحضارة أو أن يفهم هذه الصلات الاجتماعية التي فصلها المؤلف.
ويستمر المؤلف بمهاجمة
الدين وأنه السبب في خراب الأخلاق ليمتدح الانجليز الذين جعلوا الوطن إلهاً لهم
بدل التورات ليمجد في هذا الفصل ذلك الإله ومدى طاعة الانجليز له، مشبهاً لهم
بالعرب الذين أمنو بالنبي محمد صلى الله وعلي وسلم يفتحوا بإيمانهم ذلك العالم
أمامهم.
ويظهر أن المؤلف لم
يوفق في هذا الفصل؛ فليس للإنجليز إله وطني كإله التوراة، ومهما تكن عظمة الإنجليز
وسيادتهم فإنهم لا يصلحون مثلاً للأخلاق، والمسألة هي أن نعرف أي من الشعبين أحق
بالإجلال والإكبار (الشعب الذي يتخذ منفعته مقياس الخير والشر فيزدري في سبيلها
الحق والعدل، أم الشعب الذي يتخذ الحق والعدل مقياساً لمنفعته فيرى أن حريته ورقيه
في احترام الشعوب ورقيها)، ولم يوفق المؤلف حين شبه الإنجليز بالعرب؛ فقد كان
العرب مخلصين فاتحين انطلقوا يبشرون ويفتحون الخير أمام العالم، أما الإنجليز فأهل
دهاء ومكر واستغلال للشعوب المستعمرة.
ويفرد المؤلف الفصل
الرابع لتعليم التاريخ والآداب مشيراً إلى عيوب اساتذة الجامعة في تعليمهم للتاريخ
والآداب، مستطرداً في نقد تعليم التاريخ والآداب الذي وصفها بعيوب كثيرة منتقصاً
منها ومزدريها وأنها لا تُعلم الأخلاق.
في الوقت نفسه لم يذكر
البديل لها أو كيف يمكن إصلاحها مع أن تعليم التاريخ والآداب من الموضوعات الهامة
التي تعلم الأخلاق وتُكسب القيم للمتعلمين.
لينتقل بعدها في الفصل
الخامس لنقد تعليم اللغات منتقداً طريقة الفرنسيين في تعليم اللغات ومطالباً
بالاعتماد على النظرية اللاشعورية في تعليم اللغات.
أما في الفصل السادس
فيتحدث عن تعليم الرياضة مبتدءً بقوله "إذا أردت ترتيب العلوم من حيث أثرها
في التربية أمكنك أن ترتبها على هذا النحو، فأولها علم المواليد الثلاثة؛ لأنه
ينمي الملاحظة، ثم يليه علم الطبيعة وعلم الكيمياء؛ لأنهما ينميان الملاحظة والحكم
معاً، ثم تلي هذا كله علوم الرياضة على اختلافها؛ لأن الناس اعتادوا أن ينظروا إلى
هذه العلوم كأنها علوم عقلية خالصة، وإن كنا سنثبت أنها علوم تجريبية أيضاً، وأن
من اليسير الاستعانة بالتجربة في تعليمها". مشيراً إلى ضرورة تعليم الرياضة
تعلم تجريبي.
وهنا يمكن القول ليس
من السهل أن تضع كتاباً أو عملاً تربوياً يتناول بالبحث التجريبي علوم الرياضة منذ
مبادئها إلى أدق نتائجها.
وفي الفصل السابع
يتحدث عن تعليم العلوم الطبيعية وعلوم المواليد الثلاثة.
وناقش هذا الفصل من
حيث:
1.
تعليم علم المواليد.
2.
درس الجامعة للعلوم التجريبية.
3.
نفع العلوم التجريبية في التعليم الأولي.
4.
درس العلوم التجريبية في المدارس الثانوية.
مع أنه يؤكد أهمية
تعليم علم المواليد إلا أنه يوضح مفهوم هذا العلم وماهيته وقد يكون أحد العلوم
المشهورة في فرنسا أو ترجم بطريقة حرفية من قل المترجم.
ويستمر المؤلف بنقد الجامعة
واساتذتها في تطبيق هذه العلوم مؤكداً على ضرورة تبني التعليم التجريبي في جميع
المراحل التعليمية ابتداءً بالأطفال مروراً بالثانوية وحتى الجامعة.
ويفرد الفصل الثامن
للحديث عن تربية أبناء المستعمرات التي حكمتها فرنسا، مشيراً إلى الفشل الذريع في
تربية ابناء المستعمرات، ويسهب في تناول أساليب التعليم في المستعمرات ومدى
فاعليتها ونجاحها وتأثيرها، واسلوبه في الحديث عنها يؤكد أن تاريخ تأليف هذا
الكتاب قديم جداً.
وهنا يمكن القول أن ما
ذكره المؤلف في حديثه عن تأثير العلم على الاستعمار أو تأثير الاستعمار على العلم،
فالمؤلف فرنسي يبحث عن نفع فرنسا، لكن المناهج التي يعرضها المؤلف لتعليم
المستعمرات قد اتخذها الفرنسيون وغير الفرنسيون فلم يفلحوا، والتاريخ يشهد بذلك في
مصر مثلاً وغير مصر...
فليست المسألة هي منهج
التعليم في المستعمرات، وإنما المسألة هي الاستعمار نفسه، يريد المؤلف وأمثاله أن
يجمعوا بين مبدأين متناقضين لا سبيل لاتفاقهما، مبدأ الاستعمار ومبدأ الحضارة،
فالاستعمار يستلزم الإذلال والاستعباد، والحضارة تستلزم الحرية والاستقلال.
ويختتم كتاب روح
التعليم والتربية بالفصل التاسع الذي أفرده للحديث عن التربية بواسطة الجيش،
مشيراً ومعتزاً بهذا النوع من التعليم وتناوله من حيث أثر الخدمة العسكرية في
التربية والنتائج الاجتماعية للقوانين العسكرية القديمة.
وبهذا أنها المؤلف
كتابه دون أن يضع خاتمة له أو ملخصاً أو اشارة لانتهاء كتابه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق