الأحد، 20 سبتمبر 2020

التحول من الحركات الإصلاح التربوية التقليدية إلى تطبيق المعايير التربوية في مدارس الجودة

 

بقلم أ/ خالد مطهر العدواني

يواجه المجتمع العربي العديد من التحديات التي أدت إلى زيادة الحاجة إلى تطوير التعليم، الذي يُمَكِن كل فرد من امتلاك المعارف والمهارات التي تساعده على تنمية ذاته، والقيام بدوره في المجتمع .

ومع ظهور بعض المتغيرات مثل :

  • التوجه إلى تعميق مبدأ المحاسبية والمساءلة في النظام التعليمي .
  • ربط الثواب والعقاب بالأداء في التعليم؛ نتيجة للتقلبات التي يمر بها الاقتصاد العالمي.
  • ظهور مفاهيم جديدة كالتربية المستمرة والتعليم مدى الحياة، والتنمية البشرية المستدامة والتربية المستقبلية.
  • حدوث طفرة في طرق التدريس وأساليبه، وتنوع مصادر التعليم والتعلم .
  • انتقال بؤرة الارتكاز في العملية التعليمية من التعليم إلى التعلم ومن المعلم إلى المتعلم .
  • التحول من قياس المدخلات إلى التركيز على النتائج .

ظهرت نداءات تنادى بضرورة وضع مستويات معيارية يتم في ضوئها تقويم وتطوير النظام التربوي ومكوناته المتعددة.

ومن ثم أصبح الإصلاح القائم على المعايير بمثابة القوة الدافعة لكثير من السياسات التربوية، التي تؤكد على ضرورة تطوير المناهج والارتفاع بمستوى أداء الطلاب، وتوفير الفرصة لكل طالب لتعلم المحتوى المناسب وصولاً إلى مستوى الأداء المطلوب .

 وانطلاقا من هذه الرؤية ظهرت حركة المعايير في التعليم، وانتشرت بقوة في الآونة الأخيرة، حتى إنه يكاد أن يطلق على هذا العقد، عقد المعايير .

حركة المعايير التربوية وحركات الإصلاح التربوي السابقة عليها :

        إن المتتبع لحركات الإصلاح التربوي يلمس ما يطرأ عليها من تغييرات من حقبة إلى أخرى، ويلاحظ أنها سريعة الاستجابة لما يثبت فعاليته في مجالات الحياة الأخرى ؛ فقد شهدت التربية منذ الخمسينات من القرن الماضي وحتى التسعينات منه عدداً من حركات الإصلاح التي وجهت أنظمتها، وأسهمت في تطوير وسائلها، ومن أبرز هذه الحركات: حركة الأهداف التعليمية، وحركة القياس محكي المرجع، وحركة التعلم من أجل التمكن، وحركة الكفايات التعليمية، وحركة نواتج التعلم .

حركة الأهداف التعليمية:

فمنذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي، والتربية تعتمد على الأهداف التعليمية ركنا أساسياً لتصميم العمليات التعليمية، وموجهاً دائماً لتنفيذها، ومحدداً لوسائل تقويمها.

 والأهداف التعليمية تأتى في مجالات ثلاثة: معرفية ووجدانية ومهارية، ولكل مجال مستويات، وهى على مستوى المراحل التعليمية والمواد الدراسية أهداف عامة أو غايات، وفى مستوى الوحدات الدراسية والدروس التعليمية أهداف تعليمية أو إجرائية، وينبغي أن تصاغ بصورة سلوكية بحيث يمكن ملاحظتها وقياسها .

حركة القياس محكي المرجع:

 ثم جاءت حركة القياس محكي المرجع لتشير إلى أن جوانب تعلم الطلاب: المعرفية والوجدانية والمهارية يمكن إظهارها ويمكن قياسها بتحديد مخرجات للأداء في صورة محكات لتقييم مدى إنجاز المتعلمين، مما يعد تمهيداً حقيقياً لفكرة تقويم الأداء .

حركة التعلم من أجل التمكن: 

وتقوم هذه الحركة على مبدأ هام، وهو أن 90 % من الطلاب يستطيعون أن يتعلموا ما يُدرس في المدرسة في أي مستوى إذا ما توفر الوقت الكافي والتعليم الملائم . 

والوقت الكافي يعنى الوقت المناسب للوصول إلى مستوى التمكن من الأهداف التعليمية، والتعليم الملائم يعنى تحديد الوحدات الدراسية للمقرر الدراسي، وتحديد أهداف تعليمية لكل وحدة، وضرورة تمكن الطالب من أهداف الوحدة قبل الانتقال لوحدة أخرى .

التربية القائمة على الكفايات:

        ظهرت حركة التربية القائمة على الكفايات كرد فعل لفشل التربية التقليدية في تحقيق أهدافها بشكل سلوكي إجرائي وسد النقص الذي يشعر به المتعلم في تدريبه على الأداء.

 ويري أتباع المدخل القائم على الكفايات أن المعرفة عبارة عن كفايات غير مترابطة يمكن تدريسها وتقويمها بصورة منفصلة، وكان الهدف الذي سعى إليه مؤيدو هذه الحركة هو تقنين المنهج وزيادة فاعليته من خلال تحديد مخرجات للتعلم في صورة كفايات وأنشطة أساسية ينبغي أن يتدرب المعلمون على إتقانها .

حركة مخرجات التعلم:

مع بداية العقد الأخير من القرن الماضي ظهرت حركة مخرجات التعلم، ونادت بضرورة تحديد نواتج تعلم، يستطيع المتعلمون إظهارها بجلاء في نهاية أية خبرات تعليمية يمرون بها، وأن تكون هذه المخرجات في صورة أداءات أو أفعال، وأكدت هذه الحركة أن جميع المتعلمين يمكنهم تحقيق نفس القدر من الإنجاز (ليس في نفس الوقت، ولا بنفس الطريقة) ، وأن نجاحهم في تعلم شيء يقودهم إلى تعلم أشياء، وأن المدارس يمكنها التحكم في شروط النجاح ومتطلباته .

وقد حاولت هذه الحركة تلافى سلبيات حركة الأهداف التقليدية، التي يتم تحديدها بتفصيل وشمول، مجزئة المادة التعليمية إلى معارف ومهارات واتجاهات، في حين أن المخرجات التعليمية عامة، تندرج تحت عدد محدود من العناوين، وتحافظ على الترابط والتكامل بين معارف ومهارات المادة التعليمية وجوانبها الوجدانية كذلك، وتمثل هذه المخرجات ما يتم إنجازه وتقييمه في نهاية الدراسة وليس توقعات ومقاصد واضعي المنهج، وبالتالي تشجع كل من المعلم والمتعلم على تحقيقها .

ومن خلال تحليل هذه الحركات الإصلاحية في التربية يتضح ما يلي :

  • تدرجها في التحول من الاهتمام بالمعارف إلى العناية باستخدام المعرفة.
  • تحولها من التعامل مع جزئيات المعارف، ومكونات المهارات إلى التركيز على التكامل بين أجزاء المعرفة، وبين مكونات المهارة الواحدة، وبين مهارات المادة الواحدة .
  • انتقالها من التسليم بوجود الفروق الفردية بين المتعلمين، وإلى حتمية وجود مستويات مختلفة لتحصيلهم الدراسي إلى العمل على تذويب هذه الفروق، والوصول بجميع التلاميذ إلى نفس الدرجة من التحصيل .
  • تغيير محور تركيزها من مدخلات العمليات التربوية والتعليمية إلى مخرجات هذه العمليات ونواتجها .
  • ارتقائها من مستوى التوقعات لما ينتظر من نتائجها إلى مستوى الإلزام بضرورة حدوثه؛ لضمان تحققه دون إهدار للوقت والجهد .
  • تطور إجراءات إصدار الأحكام والتقديرات، والاستجابة لها من الملاحظة والقياس ـ غالباً ـ من جانب طرف واحد إلى العلم بالمحكات، وتلمس المؤشرات من جميع الأطراف (الشفافية والمشاركة) .
  • التمهيد للانتقال من الاهتمام بالرصيد المعرفي وتطبيقاته في التعليم والتقويم إلى الاهتمام بما يستطيع المتعلم أداءه من هذه التطبيقات، ونتيجة هذه المعرفة في المواقف الحياتية الحقيقية أو المحاكية .


كان طبيعياً في ظل هذه المرونة أن تستجيب التربية لفكرة المعايير التي أخذت بها المجالات الحياتية الأخرى، وثبت فعاليتها في تطوير نواتجها؛ مما أدى إلى ظهور حركة المعايير التربوية؛ رغبة في تحسين المنتج التربوي والتعليمي سواء أكان: متعلماً أو معلماً أو كتاباً أو نشاطاً أو تدريساً أو تقويماً.

وعلى ذلك يمكن النظر إلى التربية القائمة على المعايير على أنها حركة إصلاح تربوي معاصر تبلورت ـ إلى حد كبير ـ أفكارها، وبدأ الأخذ بها يؤتى ثماره في الاهتمام بتطوير المناهج التعليمية، وبرامج إعداد المعلمين، وأدوات التقويم .

        أما عن علاقة المعايير التربوية بحركات الإصلاح التربوي السابقة عليها، فإن المتأمل لما قيل، ولما كتب عن هذه الحركة قد يرى أنها حركة حديثة في مسماها، وفى الآليات التي تفرضها لتطوير المناهج الدراسية والبرامج التعليمية وفى جهود الأخذ بها، واعتمادها أساساً للتطوير التربوي الحادث حالياً في كثير من الأنظمة التعليمية في بلدان متقدمة .

        ويمكن أن يقودنا التأمل لما كتب عن حركة المعايير التربوية إلى القول بأنها امتداد طبيعي لما سبقها من حركات، وأن كثيراً من مبادئها مألوفة، وسبق الإقرار وقت طرحها بجدوى الآخذ بها، وتأتى جوانب الآلفة بهذه الحركة، وأدلة علاقتها بما سبقها فيما يلي :

  1. تركيزها على مفهوم الأداء: يعكس الإفادة من التطور الذي طرأ على حركة الأهداف التعليمية بتركيزها على السلوك الذي يمكن ملاحظته وقياسه.
  2. حرصها على تحديد معايير لكل أداء: ترجمة لإفادتها من حركة القياس محكي المرجع التي استخدمت المحكات.
  3. مقصدها بأن المعايير إنجازات يلتزم المعلم بضمان تحقيقها، تدعيم لمفهوم المحاسبية الذي نادت بها حركة الكفايات التعليمية .
  4. تأكيدها على الأداءات التي يظهرها المتعلمون بجودة عالية في سياق واقعي، بعد مروهم بخبرات تعليمية؛ استفادة كبيرة من حركة نواتج التعلم.


وعلى هذا الأساس فإن الدعوة إلى تركيز التعليم على الأداء، وجعل التقويم مبنياً عليه، وضرورة وضع معايير لهذا الأداء، وتوفير الضمانات لتحقيقها، مبادئ مستمدة من جميع حركات الإصلاح السابقة، تبلورت واجتمعت في هذه الحركة المعاصرة. 

إن من يأخذ بأي حركة من حركات الإصلاح السابقة، ويرى أفضليتها على غيرها؛ يمكن أن يجد في حركة المعايير التربوية ما يتفق وتوجهه، ومن ثم فلا مبرر لرفض هذه الحركة أو عدم التجاوب مع متطلباتها، ولاسيما في ظل العولمة والنظام العالمي الحالي والتقدم التكنولوجي والمعلوماتي، والعالم الذي أصبح قرية واحدة، والحاجة إلى توفير مواصفات للمتعلم لا تقل عن مواصفات نظرائه في أي مكان في العالم، وحسب المعايير العالمية التي تقرها المنظمات المهنية والهيئات التعليمية المشهود لها بالتقدم والرقى. إن من المهم مسايرة التطورات، لا مواجهتها؛ بشرط التأكد من منابتها، وأثرها الإيجابي .


مراجع تم الرجوع إليها:

  1. أحمد محمد علي عطيفه. تصور مقترح لتطوير الأداء التدريس لمعلمي الرياضيات في ضوء معايير الجودة ومدى توافرها لديهم في مرحلة التعليم الأساسي بالجمهورية اليمنية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة صنعاء، 2014. 
  2. حسن البيلاوي، وآخرون. الجودة الشاملة بين مؤشرات التميز ومعايير الاعتماد الأسس والتطبيقات، دار المسيرة، عمان، الأردن، 2006. 
  3. خالد بن سعد الجضعني. إدارة الجودة الشاملة: تطبيقات تربوية, ط1, الرياض، دار الأصحاب للنشر والتوزيع، 2005.
  4. خالد مطهر العدواني، وآخرون. الجودة في التعليم العام، ملتقى الجودة، خلال الفترة 22-26 يناير 2017م.
  5. خالد مطهر العدواني. الجودة الشاملة في التعليم، بحث مقدم لإدارة الجودة والاعتماد، وزارة التربية والتعليم، الجمهورية اليمنية،2013.
  6. خالد مطهر العدواني. وآخرون. الدليل التثقيفي في الجودة والاعتماد والتطوير المدرسي، إدارة الجودة والاعتماد بمكتب التربية والتعليم بمحافظة المحويت، الجمهورية اليمنية، 2014.
  7. رافدة عمر الحريري. إعداد القيادات الإدارية لمدارس المستقبل في ضوء الجودة الشاملة، ط1، دار الفكر، عمان، الأردن، 2007. 
  8. سماح عبد المطلب إبراهيم، تطوير إدارة المدرسة الثانوية العامة بمصر في ضوء إدارة الجودة الشاملة، رسالة دكتوراه، غير منشورة، كلية التربية، جامعة المنوفية، مصر، 2002.
  9. عبد الرزاق الأشول، وعبد الله علي إسماعيل، مشروع الإطار المرجعي للتطوير المدرسي، المراجعة السنوية المشتركة الثامنة لتنفيذ الاستراتيجيات الوطنية لتطوير التعليم العام (الملتقى التربوي)، 27-28 مايو 2013م.
  10. عبده نعمان الشريف، الفجوة بين ثقافة الجودة الشاملة وتحسين أداء النظام التعليمي في الجمهورية اليمنية، مجلة الأندلس للعلوم الاجتماعية والإنسانية، العدد (16)، المجلد (17)، أكتوبر- ديسمبر ، 2017م.
  11. محسن عبد الستار محمود عزب. تطوير الإدارة المدرسية في ضوء معايير الجودة الشاملة، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 2008. 
  12. محمد هادي حسين القحطاني. تقويم الأداء التدريسي لمعلمي التربية الإسلامية في مادة التوحيد المرحلة المتوسطة في المملكة العربية السعودية في ضوء معايير الجودة، رسالة ماجستير ، كلية التربية، جامعة أم القرى، 2012. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق